ستحتاج البشرية فى المستقبل، إلى أنظمة طاقة متجددة ومستدامة ونظيفة وفعالة، من حيث التكلفة وملائمة وآمنة. الآن أصبح المجتمع البشرى هدفه التحول إلى نظام طاقة خالٍ من ثانى أكسيد الكربون “طاقة نظيفة”.
مع مرور الوقت، يمكننا الاستغناء عن استخدام المصادر الأحفورية الملوثة للبيئة (فحم وبترول وغاز طبيعى)، والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وهى المصادر المتجددة (طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة مائية وطاقة باطن الأرض وطاقة الكتلة الحيوية وطاقة أمواج البحار والمحيطات وطاقة المد والجزر)، والمصادر النووية (انشطار نووى واندماج نووى).
يعد الاستخدام المكثف للوقود الأحفورى مسؤولاً عن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى “ثانى أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وجزيئات الكربون غير المحترقة، وما إلى ذلك”، والتى تتسبب فى تغير المناخ.
كل هذه الغازات وملوثات الهواء تلحق الضرر بطبقة الأوزون الستراتوسفير، وتخلق الضباب الدخانى. وينتج عن ذلك مشاكل خطيرة فى صحة الإنسان، حيث يعتبر وجود جزيئات الكربون غير المحترقة فى الهواء، من الملوثات الخطرة التى تسبب مشاكل مثل اضطرابات الرئتين ومشاكل فى الجهاز التنفسى، وتهيج العين والأمراض المرتبطة بالدم. كما ينتج عن الاحتراق غير الكامل للوقود الأحفورى غاز أول أكسيد الكربون السام.
في عام 2019 ، بلغت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية من الوقود الأحفورى 33 جيجا طن، يأتى 41% منها من قطاع توليد الطاقة، والباقى من قطاعى النقل والصناعة. سيكون لتكنولوجيات الطاقة منخفضة الكربون دور حاسم تلعبه خلال السنوات القادمة. تغيير مسارنا الحالى، من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، سيتطلب ثورة فى مجال الطاقة.
عدم اتخاذ إجراءات حاسمة فى الوصول إلى صفر كربون بحلول عام 2050، سيؤدى إلى زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة بأكثر من الضعف. كما سيؤدى الطلب المتزايد على مصادر الطاقة الأحفورية إلى زيادة المخاوف بشأن أمن إمدادات الطاقة. ومن ثم فإن استبدال مصادر الوقود الأحفورى بمصادر وقود نظيفة لا تنضب مثل مصادر الطاقة المتجددة، سوف يخفف من الاعتماد على الوقود الأحفورى ومعالجة المشاكل البيئية.
إذا أردنا تحقيق تخفيضات فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، سيتطلب ذلك تعميم فلسفة رفع كفاءة الطاقة، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية وتكنولوجيات احتجاز الكربون وتخزينه، وتكنولوجيات وسائل النقل والانتقال التى تعمل بالكهرباء أو بخلايا وقود الهيدروجين.
للمستقبل تم اقتراح الهيدروجين كوقود مثالى لنظام الطاقة. إن توفر إمدادات موثوقة وفعالة من حيث التكلفة، والتخزين الآمن والفعال، والاستخدام النهائى لهيدروجين مريح، سيكون ضروريا للانتقال إلى اقتصاد الهيدروجين.
لو نظرنا للهيدروجين نجد أنه أبسط وأخف عنصر فى الوجود، وأكثر العناصر وفرة فى الكون، وهو العنصر الأكثر وفرة فى كوكب الأرض “لا ينضب”. على الرغم من بساطة الهيدروجين، إلا أنه يحتوى على أعلى محتوى للطاقة من أى وقود شائع من حيث الوزن، لكنه يحتوى على أقل محتوى طاقة من حيث الحجم.
الهيدروجين لا يوجد بشكل طبيعى كغاز على الأرض، ولأنه أخف من الهواء فهو يصعد إلى الغلاف الجوى. يرتبط الهيدروجين الطبيعى دائما بعناصر أخرى فى شكل مركبات كيميائية، مثل الماء والهيدروكربونات، لذلك يجب تصنيعه. ولذلك، يعتبر الهيدروجين مصدرا ثانويا للطاقة، ويشار إليه عادةً على أنه ناقل للطاقة وليس مصدرا للطاقة. تستخدم ناقلات الطاقة لنقل الطاقة وتخزينها وتوصيلها بشكل يسهل استخدامه، فالكهرباء هي أشهر مثال على ناقلات الطاقة.
وقود الهيدروجين، الذى لا ينضب، وبخصائص كثافة الطاقة العالية وعدم إطلاقه لانبعاثات فى الجو عند حرقه (ناتج حرقه ماء فقط)، يمكنه معالجة قضايا الاستدامة والانبعاثات البيئية وأمن الطاقة، وبذلك يعتبر الهيدروجين من أفضل المرشحين للتخفيف من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية.
في المستقبل القريب، سيستمر إنتاج الهيدروجين في الاعتماد على الوقود الأحفورى، وخاصة الغاز الطبيعى، كذلك سوف نجد أن العمليات القائمة على الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين لن تؤدى على الأرجح إلى انخفاض كبير في تكاليف الهيدروجين.
الهيدروجين عديم اللون، لكن طريقة إنتاجه هى التى تحدد أسم الهيدروجين، فمع استخدام المصادر الأحفورية لإنتاج الهيدروجين، ينطلق فى الجو ثانى أكسيد الكربون ضمن الغازات الدفيئة، فى هذه الحالة يطلق على الهيدروجين الناتج أسم “هيدروجين رمادى”. أثناء تصنيع الهيدروجين، إذا أمكن التقاط معظم انبعاثات ثانى أكسيد الكربون قبل انطلاقها فى الجو وتخزينها، حتى 90 ٪، يطلق على الهيدروجين الناتج أسم “هيدروجين أزرق”. أما إذا استخدمنا الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر طاقة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، واستخدمنا طريقة التحليل الكهربى للماء لإنتاج الهيدروجين، وهى الطريقة التى تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَى الهيدروجين والأكسجين، ولا ينتج عنها غازات دفيئة، فى هذه الحالة يطلق على الهيدروجين الناتج أسم “هيدروجين أخضر”.
الآن يشهد الهيدروجين “الأخضر” انتعاشا عالميا، فقد تم تسميته على أنه أحد المصادر الثانوية للطاقة المتجددة النظيفة، حيث يمكن أن يعزز تطوير حلول جديدة ومبتكرة وصديقة للبيئة لاستخدام الطاقة، والذى يمكن أن يساعد فى تحقيق صافى انبعاثات صفرية فى العالم فى العقود القادمة. مما قد يؤدى إلى الانتقال نحو سحب الاستثمارات فى مجال الطاقة من الوقود الأحفورى.
نأمل فى المستقبل، أن ينضم الهيدروجين الأخضر إلى الكهرباء باعتباره ناقلا مهما للطاقة، حيث يمكن تصنيعه بأمان من مصادر الطاقة المتجددة. لكن حتى الآن، وطبقا للتكنولوجيات المتاحة فى مراحل الإنتاج “التحليل الكهربى”، وكذلك أسعار الكهرباء “الكيلووات ساعة” المتولدة من المصادر المتجددة، نجد أن إنتاج الهيدروجين الأخضر مكلف.
بذلك يصبح التحدى الرئيسى لإنتاج الهيدروجين الأخضر هو خفض التكلفة. مثال على ذلك، بالنسبة لوسائل للنقل والانتقال، يجب أن يكون الهيدروجين منافسا من حيث التكلفة مع أنواع الوقود التقليدية، لكى يحقق نجاحا فى السوق التجارى.
فى الوقت الحالى يستطيع الهيدروجين الأخضر أن يقدم حلا جزئيا، لكن بشرط، وهو، إذا استخدم التحليل الكهربى فى عملية إنتاجه، وإذا استخدمت الطاقة المتجددة فى توليد الكهرباء، وأن يكون العرض مرتفعا والطلب منخفضا، بمعنى وجود فائض فى الكهرباء، فى هذه الحالة تعتبر تكاليف فائض الكهرباء خسارة لو لم تستخدم كطاقة، ويعتبر سعرها صفرا فى حالة استخدامها فى عملية التحليل الكهربى لإنتاج الهيدروجين، ويصبح الهيدروجين ذو قيمة اقتصادية.
الهيدروجين أحد الخيارات الرائدة لتخزين الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة، ويبدو أنه الخيار الأقل تكلفة لتخزين الكهرباء على مدار أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. عن طريق الهيدروجين يمكن نقل الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة لمسافات طويلة، من مناطق ذات موارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى المدن المتعطشة للطاقة على بعد آلاف الكيلومترات.
من المنتظر أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر من الكهرباء المتولدة من المصادر المتجددة بنسبة 30٪ بحلول عام 2030، وهذا الاحتمال قائم على دراسات، تتنبأ بانخفاص أسعار الكهرباء “الكيلووات ساعة” المتولدة من المصادر المتجددة، وبرفع كفاءة معدات التحليل الكهربائى للماء مع استخدام التكنولوجيات المتطورة، تزداد إنتاجية الهيدروجين الأخضر.
منذ عام 2010 ، انخفضت تكلفة التحليل الكهربائى للماء لإنتاج الهيدروجين فى بعض الأماكن بحوالى 60٪، أى من 10 دولارات للكيلوجرام من الهيدروجين إلى ما يصل إلى 4 دولارات للكيلوجرام، لكن المطلوب أن يصل متوسط سعر الكيلوجرام لأقل من 2 دولار. نظرا لأن التحليل الكهربائى للماء لإنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب فى المعتاد، استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربائية، وأن تطوير البنية التحتية للهيدروجين بطيئة جدا وتعيق اعتمادها على نطاق واسع. لذلك، لا يعتبر الهيدروجين الأخضر حاليا، الحل السحرى لمشكلة استخدام المصادر الأحفورية، وانبعاثات الغازات الدفيئة.
لكن هناك بريق من التفاؤل لكى يتغير الوضع، ويصبح الهيدروجين الأخضر منافسا قويا خلال بضع سنوات فى مجالات عديدة، منها على سبيل المثال، فى مجال النقل بالمركبات الكبيرة ذات المسافات الطويلة، والقطارات، ومحطات توليد الكهرباء والمبانى. ويرجع ذلك إلى أسباب أهمها، أن هناك تفاؤلا فى انخفاض أسعار الكيلووات ساعة المولدة من المصادر المتجددة “شمسى ورياح”، مع وجود فائض من هذه الطاقة، وبكميات كبيرة، وهو ما يسهل عملية تحليل الماء بالكهرباء، وإنتاج الهيدروجين وتخزينة، بدلا من تخزين فائض الكهرباء فى بطاريات كبيرة.
تكنولوجيا الهيدروجين تستخدم فى تطبيقات كثيرة، حوالى 35 تطبيقا، ومن المتوقع خلال العقد المقبل، ومع استمرار التوسع فى إنتاج الهيدروجين وتوزيعه وتصنيع المعدات والمكونات، أن تنخفض بشكل كبير التكاليف المرتبطة بتكنولوجيات الهيدروجين المستخدمة فى هذه التطبيقات، بما فى ذلك الحرارة والطاقة. بل أن هناك بعض التطبيقات، التى يمكن أن يصبح الهيدروجين فيها منافسا لبدائل أخرى منخفضة الكربون.
التكاليف النهائية لإنتاج الهيدروجين من الطاقة المتجددة يعتمد بشكل كبير على المنطقة، بمعنى سعر الكيلووات ساعة الناتج من مصادر الطاقة المتجددة يتغير من مكان لمكان، وهو عامل مهم. اليوم، يتكلف الهيدروجين الأخضر الناتج عن التحليل الكهربائى فى بعض الأماكن حوالى 6 دولارات للكيلوجرام.
إذا استمر معدل انخفاض تكاليف إنتاج وتوزيع الهيدروجين على نفس المعدل، فمن المنتظر بحلول عام 2030، أن يصبح الهيدروجين منافسا قويا للبدائل الأخرى منخفضة الكربون “الغاز الطبيعى” فى تشغيل توربينات الغاز ذات الدورة البسيطة، والمخصصة للعمل فترة ذروة الأحمال.
فى مجال محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، تم بالفعل حرق الهيدروجين فى توربينات الغاز، وإن كان ذلك بكميات منخفضة، ومع ما يسمى بـ “الهيدروجين الرمادى”، والذى يأتى من الوقود الأحفورى. العمل يجرى حاليا فى جميع الشركات المصنعة الرئيسية لتوربينات الغاز، على تطوير توربينات غازية يمكنها حرق 100٪ من الهيدروجين.
الهيدروجين متعدد الاستخدامات، اليوم، يستخدم الهيدروجين بشكل شائع فى تكرير البترول وإنتاج الأسمدة، بينما يعتبر استخدامه فى النقل والمرافق من الأسواق الناشئة. ولكن لكى يساهم الهيدروجين بشكل كبير في الطاقة النظيفة، يجب تعظيم مساهمته فى القطاعات التى يكون فيها غائبا تماما، مثل النقل والمبانى وتوليد الطاقة. أهم استخدامات الهيدروجين الحالية هى، تكرير البترول (33٪)، إنتاج الأمونيا (27٪)، إنتاج الميثانول (11٪)، وإنتاج الصلب عن طريق الاختزال المباشر لخام الحديد (3٪).
الآن نحن أمام أمر واقع مرير، مع استخدامنا لمصادر الطاقة الأحفورية، تولدت غازات دفيئة، حدثت ظاهرة الاحتباس الحرارى، تغيرت المنظومة الربانية لمناخ كوكب الأرض، صارت هناك كوارث اجتاحت عددا من دول العالم، تمثلت فى موجات حر شديدة وحرائق وأعاصير. الحل الوحيد هو الابتعاد عن المصادر التى ينتج عن حرقها الغازات الدفيئة.
فى هذه الحالة لابد من تعزيز التعاون الدولى المتكامل وعلى مراحل، فى المرحلة العاجلة، الأمر يتطلب استخدام تكنولوجيات التقاط ثانى أكسيد الكربون المنطلق أثناء استخدام الغاز الطبيعى والفحم فى إنتاج الهيدروجين. المرحلة التالية فى الطريق إلى مستقبل طاقة نظيفة، وهى تعمل على خفض التكاليف وزيادة الإنتاج، والتى تبدأ من الآن، يتطلب ذلك العمل على دعم التعاون الدولى بطريقة منسقة، لتعظيم الاستفادة من الهيدروجين الأخضر كأحد مصادر الطاقة الثانوية النظيفة، من خلال، (1) ترسيخ دور للهيدروجين الأخضر فى استراتيجيات الطاقة طويلة الأجل، فى القطاعات الرئيسية “تكرير البترول والأسمدة والحديد والصلب والشحن والمركبات ووسائل النقل لمسافات طويلة والمبانى وتوليد الطاقة وتخزينها.
(2) تطوير البنية التحتية للهيدروجين الأخضرعلى مستوى التوزيع؛ والاستفادة القصوى من البنية التحتية القائمة على مستوى النقل والشحن، مع التوسع فيها، لتعظيم استخدام الهيدروجين على نطاق واسع.
(3) إزالة الحواجز التنظيمية غير الضرورية وتطوير الأنظمة الحالية “اللوائح” فى مجال تجارة الهيدروجين الدولية، لتكون جاذبة للمستثمرين، وحتى تستفيد التجارة العالمية من المعايير الدولية المشتركة لسلامة النقل والتخزين، ووضع السياسات التى تخلق أسواقا مستدامة للهيدروجين النظيف.
(4) تحفيز الاستثمارات فى صناعة الهيدروجين والبنية التحتية التى ستخفض التكاليف؛ (5) دعم الحكومات فى مجال البحث والتطوير فى مراحل حياة الهيدروجين المختلفة من الإنتاج وحتى الاستخدام، لخفض التكاليف وتحسين الأداء؛ (6) دعم الحكومات للتطبيقات الجديدة للهيدروجين من خلال القروض والضمانات لمعالجة مخاطر الاستثمار للمبتدئين؛ (7) بدء حملات تثقيفية لقطاعات المستهلكين الرئيسية المستهدفة، التى يمكنها تسهيل الاستخدام قريب المدى للهيدروجين كناقل للطاقة.