د. كريم الأدهم

المتحدث الرسمى والرئيس الأسبق لهيئة الأمان النووي

التطور الصناعي والتكنولوجي سلاح ذو حدين، فرغم مزاياه العديدة، تنتاب البعض مخاوف من آثاره الجانبية، وهو ما يدور حاليا بشأن الانبعاثات باختلاف أنواعها.

«المصري اليوم» التقت الدكتور كريم الأدهم، الرئيس السابق لهيئة الأمان النووى، للإجابة عن التساؤلات الشائعة حول الطاقة النووية ومراحل الأمان في محة الضبعة.

 

هل ستؤثر الإشعاعات المنبعثة من محطة الضبعة النووية على الحياة البيئية؟

من حيث المبدأ محطة الضبعة النووية لن ينبعث منها أي إشعاع ولن يتعرض أي مكان أو كائن حي في البيئة المحيطة للمحطة شأنه شأن المقيمين في المناطق البعيدة أو حتى القاهرة.

الاعتماد على الطاقة النووية باعتبارها مصدر خالي من الانبعاثات، فالطاقة النووية هي أحد مصادر الطاقة النظيفة بجانب المصادر المتجددة وتلعب دورا بارزا كأحد الحلول الجوهرية لتقليل انبعاثات الكربون ولمجابهة ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

هل هناك مخاطر صحية على السكان من تلك الإشعاعات؟

لا يوجد إشعاعات من حيث المبدأ والعامل الأساسي في المحطة هو الأمان النووي وحماية العاملين والجمهور والبيئة بصفة عامة من أي اشعاعات، إذاً في هذه الحالة محطة الضبعة للطاقة النووية التي تقوم شركة روساتوم بإقامتها تتوفر بها أعلى مستويات الأمان في العالم.

 

ما هى المبادىء الأساسية للأمان النووي؟

تعتمد المبادئ الأساسية للأمان النووي على «مبدأ الدفاع في العمق» و«مبدأ التكرار»، و«مبدأ التنوع»، و«مبدأ الفصل الفيزيائي».

«مبدأ الدفاع في العمق» يُعد استراتيجية شاملة تستهدف التشغيل الآمن للمحطة النووية وحماية الإنسان والبيئة من أي أضرار ويتكون من عدة مستويات متعاقبة لمجابهة أي خطأ بشري أو خلل في المعدات، وحماية الإنسان والبيئة من الأضرار في حالة فشل أحد أو بعض تلك المستويات من أداء مهامها على الوجه الأكمل.

 

وكيف يتم ذلك؟

عن طريق سلسلة من الحواجز المتعاقبة والمستقلة لمنع تسرب المواد المشعة، و«مبدأ التكرارية» يعنى استخدام نظامين أو مكونين أو أكثر لأداء نفس الوظيفة بحيث أن خسارة أحدهم لا تؤثر على تأدية الوظيفة، مثلاً استخدام أكثر من خزان مياه لتبريد المفاعل في حالات الطوارئ، وكل خط لضخ المياه به مضختان على التوازي، استخدام أكثر من مصدر للكهرباء للاستخدام في حالات الطوارئ.

ومبدأ التنوع يعتمد على استخدام نظامين أو مكونين أو أكثر لأداء نفس الوظيفة وبشكل مختلف، مثلاً استخدام مضختين على التوازي أحدهما تعمل بالكهرباء والأخرى يتم ادارتها باستخدام تربين يعمل بالبخار.

ومبدأ الفصل الفيزيائي يعتمد على الفصل المادي بين الأنظمة أو المكونات التي تؤدي نفس الوظيفة، بحيث يمكن لأي منهم تأدية وظائفه دون التأثر بالظروف أو البيئة المحيطة بالآخر، مثلاً توجد غرفة تحكم رئيسية وغرف تحكم احتياطية كل منهما منفصل تمامًا عن الآخر بحيث لا يؤثر ظرف معاكس (حريق مثلاً) على قيام الآخر بوظائفه.

بالإضافة إلى وجود نظم أمان سلبية لا تعتمد على مصدر للطاقة الكهربية، وإنما تعتمد على الظواهر الطبيعية مثل الجاذبية الارضية والسريان الطبيعي للسوائل.

 

ما السيناريوهات المتوقعة حال حدوث تسريب؟

أولا: المحطات النووية بشكل عام تتمتع بمعايير سلامة عالية ومنها عوامل حماية ذات دفاع متعدد أو دفاع مضاعف بحيث أن الانفاق والحوائط المتعددة للأحتواء المتواجدة داخل مبنى القبة «ويسمى مبنى الاحتواء» تتكون من حواجز متعددة لمنع أي تسرب وتنتهى هذه الحواجز بهذا المبنى الذي يتم تصميمه بحيث لا يتأثر بأى عوامل خارجية حتى إذا اصطدمت به طائرة تجارية.

إذن لا يوجد تسرب، وهناك خطط طوارئ معدة سابقا للاحتواء واحتمال حدوثها هو 1 في الـ10 مليون، بالإضافة إلى وجود نظم أمان سلبية لا تعتمد على وجود الطاقة الكهربية كما أن المفاعل يستطيع تحمل اصطدام طائرة تجارية ثقيلة تزن 450 طن وتسير بسرعة 150 متر على الثانية كما يستطيع تحمل تسونامي ويتحمل الزلازل ويتحمل الأعاصير والرياح.

ويتميز تصميم المفاعل الروسى وتزويده بماسك أو مصيدة لقلب المفاعل يسمى بـ(Core Catcher) لاحتواء قلب المفاعل بما فيه من وقود نووي والمواد عالية المستوى الإشعاعي بداخله وذلك حال حدوث حادث جسيم أدى إلى انصهار قلب المفاعل، وبذلك لا يسمح بتسرب تلك المواد إلى البيئة المحيطة ونسبة حدوثها منخفضة جدا 1 في العشرة مليون. وكل احتياطيات الأمان تلك من شأنها أن تبدد أية مخاوف من حدوث تسرب إشعاعي أو حادثة نووية كما حدث في تشرنوبل.

 

ماذا تقول للمعترضيت على الطاقة النووية؟

أي مصادر للطاقة لها مميزات وعيوب والطاقة النووية لها العديد من المميزات والفوائد التي تميزها عن مصادر الطاقة الأخرى. والدولة تعمل على تبنى الطاقة النووية في إطار التنويع في مصادر الطاقة لكى لا تعتمد على مصدر واحد. ونحن حاليا في مصر نعتمد على الوقود الاحفورى (الغاز والبترول) بشكل كبير والمستخرج من الطاقات الاخرى المتجددة محدود. لذا التنويع في مصادر الطاقة أمر مفروغ منه وهام جدا. حيث قال ونستون تشرشل: «تنويع مصادر الطاقة هو أمن قومى».

 

هل الطاقة النووية تضر بالبيئة في المستقبل؟

الطاقة النووية أقل مصادر الطاقة تأثيرا على البيئة بالسلب، حيث لا يوجد انبعاثات ولا تسبب زيادة في الاحتباس الحراري والأفضل أننا نستطيع أن نوفر الوقود الأحفورى المتمثل في الغاز والبترول للصناعات البتروكيماوية وبهذه الحالة سيكون هناك عائد اقتصادى كبير جدا.

فمن المعروف أن أي مصدر وقود احفورى الاحتياطى منه ينفذ، ولكن احتياطى اليورانيوم في العالم يكفى العالم لـ1000 سنة بمعدل الاستهالك الحالى، وهناك خطة تطوير للصناعة المصرية من خلال برنامج طويل المدى لإنشاء المحطات النووية تتصاعد فيه نسب التصنيع المحلي في كل وحدة جديدة طبقاً لخطة واضحة وملتزم بها، مما سيحدث نقلة ضخمة في جودة الصناعة المصرية وإمكاناتها ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية بسبب المعايير الصارمة للجودة التي تتطلبها صناعة المكونات النووية والتي ستنتقل بالضرورة إلى صناعة المكونات غير النووية التي تنتجها نفس المصانع.

 

ما هى مجالات الاستفادة من الطاقة النووية؟

يمكن استخدام الطاقة النووية وتقنياتها في عدة مجالات بجانب توليد الكهرباء، مثل الزراعة والغذاء والطب واستكشاف الفضاء، وتحلية المياه وهي عملية إزالة الملح من مياه البحر المالحة لجعل الماء صالحًا للشرب، ولكن تتطلب هذه العملية كميات كبيرة من الطاقة. ويمكن للمنشآت النووية توفير الطاقة التي تحتاجها محطات التحلية لتوفير مياه عذبة صالحة للشرب.

كما أن الطاقة النووية تمتاز بالمأمونية وثبات سعر الطاقة الكهربية المنتجة وتنافسيتها وعدم تأثرها بالتقلبات السريعة والحادة التي ربما تنشأ في مصادر الطاقة الأخرى، والطاقة النووية أحد المصادر الهامة لسد الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية نظرا لتنافسيتها الاقتصادية العالية

 

هل يتم التخلص من النفايات النووية أم يمكن إعادة استخدامها؟

من الطبيعى أن ينتج عن أي نشاط بشري نفايات، والنفايات النووية أصبحت أقل هاجس يمكن أن يعترض طريق المفاعلات النووية لأن التعامل معها أصبح يتم بطريقة أمنة ومتطورة جدا والتكنولوجيا المستخدمة أصبحت معروفة وثبت أمانها بشكل علمى وبمعايير مقننة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويكون التعامل مع هذه النفايات المشعة عن طريق إنشاء وحدات لمعالجة النفايات المشعة، كما يوجد أوعية تخزين مناسبة لمدة 100 عام. وهناك حلول للتخلص من النفايات بشكل لا يؤثر على الأجيال القادمة. يتبع العالم بعض الاستراتيجيات للتخلص من النفايات المشعة، فينقسم التخزين إلى تخزين مبدئي في حوض لتبريد حزم الوقود المستنفذ، ثم ينتقل لتخزين لمدة طويلة إما تخزين رطب أو جاف في مستودعات ويمكن إعادة تدويره وإعادة استخدام الوقود عن طريق معالجة النفايات المشعة واستخراج الوقود غير المستهلك وإعادة استخدامه في مزيج الوقود الجديد. وأخيرا يكون القرار للدولة في الدفن النهائي أو الجيولوجي وهذا وفقا لإستراتيجية كل دولة.

 

كيف استطاعت شركة روساتوم تحقيق أعلى نسبة أمان في مفاعل VVER-1200 من الجيل الثالث المطور؟

نحن من المحظوظين في التعامل مع روساتوم لأن المفاعل في محطة الضبعة للطاقة النووية من مفاعلات الـ VVER – 1200 من الجيل الثالث المطور يتبع معايير أمان ووسائل أمان ذاتية عالية جدا.

يأتي عنصر الأمان للمفاعل النووي على قائمة الأولويات في اختيار التكنولوجيا المستخدمة في المحطة النووية الأولي بالضبعة حيث تنتمي التكنولوجيا المستخدمة إلى نوعية مفاعلات الجيل الثالث المطور وهي التكنولوجيا الأعلى حاليا عالميا وتتميز بأعلى معدلات الأمان وفقا للمعايير التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد حادثة فوكوشيما.

ويتميز تصميم المفاعل الروسي باتباع كافة احتياطيات الأمان التي من شأنها تقليل الآثار البيئية لأدني مستوى وذلك من خلال مراعاة الآتي في التصميم مثل أنظمة أمان متطورة ووجود أنظمة أمان سلبية وذاتية ووعاء احتواء خرساني مزدوج لمنع تسرب أية مواد مشعة للبيئة المحيطة.