د. كريم الأدهم

المتحدث الرسمى والرئيس الأسبق لهيئة الأمان النووي

الطاقة النووية ومهمة الحفاظ على البيئة

لقاء مع د. كريم الأدهم مع جريدة الجمهورية 

ان استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء قد قوبل في البداية بمعارضة شديدة من الكثير دول العالم، حيث انقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لهذا الاستخدام السلمي للطاقة النووية والتي اثبتت فيما بعد انها مصدر  نظيف وآمن ورخيص للطاقة.

مع التطور المستمر للتكنولوجيا بشكل عام، تحولت وجهة نظر المعارضين التي كانت ترتكز على احتمال وجود عيب في بعض أجزاء المفاعلات النووية والمنشآت النووية التي قد تؤدي إلى تسرب الإشعاع وتلوث المناطق المحيطة بالقرب من هذه المفاعلات إلى النقيض خاصة بعد الدروس المستفادة من الحوادث النووية في الماضي.

بينما بنى مؤيدو الطاقة النووية حجتهم على التطور الهائل الذي وصلت اليه التكنولوجيا النووية والدروس المستفادة من جميع الحوادث السابقة والتي تمت دراستها بدقة. وقد مكنت هذه الصحوة التكنولوجيا النووية من الوصول إلى مراحل متقدمة من حيث سلامة التصاميم (الجيل الثالث المطور) – والذي تعاقدت مصر علي تنفيذه في مفاعلات محطة الضبعة النووية – الذي يمتلك أعلى معايير السلامة والأمان مع تقليل التدخل البشري، حيث يتم إيقاف تشغيل هذه الأنواع من المفاعلات تلقائيًا عندما يشير نظام التشغيل إلى أي نشاط خطير مثل ارتفاع في درجة الحرارة. فالطاقة النووية آمنة اليوم إلى الحد الذي لا يستطيع أحد أن يتخيله.

اليوم ، اتخذ العلماء والباحثون والخبراء في مجال الطاقة قرارًا بالعودة إلى الاعتماد على أنظمة الطاقة البديلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفي هذا الشأن هناك العديد من العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار، خاصة بعد أن أصبح واضحا أن عصر الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري (الفحم، النفط والغاز الطبيعي) لن يدوم طويلا. بعض هذه العوامل هي:

– نضوب الموارد الطبيعية.

– النمو السكاني المتزايد

– انخفاض إنتاج الغذاء للفرد.

– تغير المناخ العالمي وظهور علامات أخرى من التدهور البيئي (ظاهرة ثقب الأوزون والغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وغيرها) وهو الأمر الأكثر أهمية.

و تعد التكنولوجيا النووية من المجالات التي لها مزايا هامة، حيث تسهم في حل العوامل الأربعة المذكورة أعلاه كما انها ايضا يمكن أن تسهم بشكل كبير في الحفاظ على البيئة.

وتوفر الطاقة النووية 10٪ من اجمالي انتاج الكهرباء في العالم؛ حيث انها توفر 35 ٪ من احتياجات الاتحاد الأوروبي. كما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا على الطاقة النووية لسد ثلث احتياجاتهم من الطاقة. ذلك لأن كمية الوقود النووي اللازمة لتوليد كمية كبيرة من الكهرباء أقل بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس كمية الكهرباء. يولد طن واحد من اليورانيوم طاقة كهربائية أكثر من ملايين براميل النفط أو ملايين الأطنان من الفحم.

وفي ظل هذه الحقائق، بدأ النظام المناخي يتأثر بشكل كبير بسبب زيادة آثار ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن النشاط البشري علي كوكب الارض. ومن هنا يمكننا أن نجزم ان الطاقة النووية سوف تساعد بشكل نسبي في حل مشكلة التلوث الجوي وتقليل هذه الظاهرة. وأعتقد أن الطاقة النووية هي الخيار الأنسب لحماية البيئة بفضل توافقها الكبير مع البيئة وتكلفتها المنخفضة نسبيا.

تشير اتفاقية باريس الموقعة في عام 2016 من قبل 175 دولة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلى استمرار تزايد دور الطاقة النووية على المدى الطويل. فمزاياها من حيث التخفيف من تغير المناخ ، فضلاً عن أمن الطاقة والفوائد البيئية والاجتماعية الاقتصادية غير المناخية، من الأسباب المهمة وراء اعتزام العديد من الدول اللجوء الي استخدامات الطاقة النووية في العقود المقبلة، أو حتى للتوسع في خططها الحالية.

وتقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية المساعدة والمعلومات للبلدان التي ترغب في اضافة الطاقة النووية الي مزيج الطاقة لديها. كما أنها توفر معلومات لجميع المهتمين والمشاركين في صنع القرارات فيما يخص الطاقة والقضايا البيئية والاقتصادية، بالاضافة الي التقارير عن تغير المناخ وعلاقتها بالطاقة النووية.

ولا ننسى أيضا أن القوانين الخاصة بتنظيم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ترتكز هي ايضا علي مبدأ الحفاظ على صحة وأمان الأفراد والممتلكات والبيئة. على سبيل المثال، تنص المادة 1 من اتفاقية الأمن النووي لعام 1994 على أن أحد أهم أهداف الاتفاقية هي الحفاظ على المنشآت النووية من مخاطر الإشعاع النووي المحتملة من أجل حماية الأفراد والمجتمع والبيئة من آثار الإشعاعات المؤينة الضارة الناتجة عن المنشآت النووية.

وفي النهاية، ما يمكن استنتاجه هو أن نجم الطاقة النووية قد بدأ في البذوغ بفضل الاهتمام العالمي بمشاكل البيئة ومعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. تتنبأ الدراسات الحالية أن صناعة الطاقة النووية هي أفضل خيار بحلول نهاية هذا القرن لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لضمان حماية البيئة، حيث أنها تعد إحدى الأدوات المهمة لإنجاز جميع البروتوكولات المتعلقة بحماية البيئة. وكما تساهم الطاقة النووية اليوم في إنتاج أكثر من 10٪ من الاستهلاك العالمي للكهرباء، فإن لها اسهاماتها في العديد من المجالات الصحية والصناعية والزراعية من خلال تطبيقات النظائر المشعة في جميع هذه القطاعات. وتعد الطاقة النووية السلمية، بكل مزاياها، مصدراً موثوقاً به لانتاج الطاقة، خاصةً أنها آمنة وفيرة ونظيفة وموثوقة مقارنةً بالمصادر التقليدية مثل النفط والفحم، والتي هي السبب الرئيسي في تفاقم أزمة التلوث العالمية.