د. ماهر عزيز

عضو مجلس الطاقة العالمي / كبير مستشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ

يعترف الكثير من خبراء الطاقة وكذلك العديد من المنظمات الدولية وبينها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IEA) والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، بالدور الرائد للطاقة النووية في تحقيق الأهداف التي تحددها سيناريوهات تحول نظام الطاقة العالمي من أجل تخفيف العواقب السلبية لتغير المناخ بما في ذلك هدف منع ارتفاع درجة الحرارة العالمية حتى عام 2100 من تجاوز 2 درجة مئوية عن مستويات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في محاولة لإبقائها عند 1.5 درجة مئوية.

يلعب التوازن بين مصادر الطاقة النووية والهيدروجينية والمتجددة في مزيج الطاقة الأمثل طبقا لمدى توافرها في كل دولة على حدة، دورا محوريا في استراتيجيات الطاقة الراميةِ إلى تحقيق الأهداف المناخية طويلة الأجل التي صاغتها اتفاقية باريس للمناخ عام 2015.

تضم جميع الخيارات الجاري تقييمها في قطاع الإمداد بالطاقة الطاقة النووية (ناهيك عن مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين والوقود الأحفوري مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه) باعتبارها إحدى المصادر الأكثر كفاءة وفعالية اقتصادية لإنتاج الطاقة الكهربائية منخفضة الكربون.

وفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة “صافي الصفر بحلول عام 2050: خريطة طريق لقطاع الطاقة العالمي” (Net Zero by 2050. A Roadmap for Global Energy Sector)، تعد الطاقة المائية والطاقة النووية الآن أكبر مصدرين للكهرباء منخفضة الكربون قادرتين على توفير قاعدة ضرورية لضمان تحقيق التحول في قطاع الطاقة. بحلول عام 2050، ستولد نحو 90% من إجمالي الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة، ستشكل حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية مجتمعة في هذه الكمية قرابة 70%، فيما ستكون الحصة الكبرى في الجزء المتبقي البالغ نحو 15% من نصيب الطاقة النووية.

يعود الدور المتنامي للطاقة النووية وزيادة حصتها في مزيج الطاقة الوطني لدول العالم إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها طريقة توليد الطاقة هذه على صعيد خفض انبعاثات غازات الدفيئة وهذا هو سبب تضمين الطاقة النووية في السيناريوهات الطموحة والمتفائلة كافة والرامية إلى مكافحة تغير المناخ.

يدرس خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عددا من السيناريوهات المتعلقة بالانبعاثات وذلك لتقييم المؤشرات المستقبلية.

تتوقع غالبية السيناريوهات التي تحصر الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية دون أي تجاوز أو بتجاوز محدود لهذا المستوى المستهدف، تتوقع أن توفر مصادر الطاقة المتجددة 70-85% من الكهرباء في عام 2050 مع زيادة حصة الطاقة النووية والوقود الأحفوري المصاحبة بتقنيات التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون.

ما السيناريو الطموح الذي يتوقع نجاح الجهود الرامية إلى إبقاء درجة الحرارة العالمية دون مستوى 2 درجة مئوية بحلول عام 2100 فيشير إلى تحقيق الهدف بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 10 مليارات طن بحلول عام 2050، وهذا الحجم يقل بنحو 70% عن مستوى عام 2019.

يتزايد دور الطاقة النووية في جميع السيناريوهات الثلاث حول التحول في قطاع الطاقة التي وضعتها شركة “بريتيش بتروليوم” (BP) في تقرير “توقعات الطاقة لعام 2020”. يتوقع السيناريو الصفري منها (Net Zero) أن تؤدي التدابير المتخذة إلى انخفاض الانبعاثات الكربونية العالمية الناجمة عن استهلاك الطاقة بأكثر من 95% بحلول عام 2050 وإبقاء ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. كما يشير هذا السيناريو إلى أن يظهر التوليد النووي نموا قويا مسجلا زيادة نسبتها قرابة 160% بحلول عام 2050 بفضل الصين في الغالب التي ستوفر، كما يتوقع، 40% من هذا الحجم.

تشير جميع الدلائل المتوفرة لدينا الآن إلى دور متعاظم للطاقة النووية في تلبية الطلب لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وخير دليل على ذلك محطة براكة للطاقة النووية في الإمارات التي قد دخلت حيز الخدمة، ومحطة الضبعة للطاقة النووية قيد الإنشاء في مصر. وفي الإمارات ستغطي أربعة مفاعلات نووية من مشروع APR-1400 ما يصل إلى 25% من احتياجات البلاد من الكهرباء عند التشغيل التام لها. أما مصر فبعد الانتهاء من إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية التي ستتجهز بمفاعلات VVER-1200 روسية التصميم، سيتقلص انبعاث غازات الدفيئة في البلاد بواقع أكثر من 14 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا. وأيضا تخطط السعودية والأردن لإطلاق برنامج سلمي وطنية لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية بغية تشكيل نظام طاقة مستقر وآمن يمكنه الإسهام في معالجة قضية تغير المناخ. وبذلك، تثبت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دورها كمحرك لتطوير قطاع الطاقة النووية العالمي.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) هي منظمة دولية معنية بتقييم حالة الفهم العلمي المتعلق بتغير المناخ، تم تأسيسها في عام 1988 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) بغية تزويد صانعي السياسات بتقييمات علمية منتظمة حول موضوع تغير المناخ وتبعاته والمخاطر النابعة من هذه الظاهرة في المستقبل وخيارات التكيف معها وتخفيف آثارها.