والنووية أيضاً تكافح تغير المناخ
تعليق د. ماهر عزيز على مقال مهم للرئيس التنفيذي للجمعية النووية الكندية “جون جورمان”
في مقال مهم للرئيس التنفيذي للجمعية النووية الكندية “جون جورمان”، الذى شغل قبل ذلك منصب الرئيس التنفيذي للجمعية الكندية لصناعات الطاقة الشمسية، كتب يقول بأن الطاقة المتجددة يجب أن تتضافر مع الطاقة النووية لتأمين مستقبل منخفض الكربون.
ويشير الخبير الكندي الى انه على الرغم من النمو الكبير للطاقة المتجددة، فإن نسبة الكهرباء الخالية من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم اليوم لم تزد منذ عشرين عامًا، وهي متوقفة عند حد 36 ٪، وفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة IEA الأخير، بما فيها الطاقة المائية، والحرارة الأرضية، وطاقة المخلفات، ولا تزيد فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على 4%، وذلك لأن الطلب العالمي على الكهرباء في زيادة مستمرة، وغالبًا ما تحتاج مصادر الطاقة المتجددة إلى الدعم من مصادر الوقود الأحفوري. وفى وجود توجه لبعض الدول الآن لإغلاق المنشآت النووية القائمة قبل أوانها، أصبح علينا أن نواجه حقيقة واقعية وهي أن الطاقة المتجددة وحدها لا تكفي ببساطة لمعالجة أزمة المناخ، وخفض غازات الدفيئة خفضاً دراماتيكياً يتوقف عليه إنقاذ كوكب الأرض.
إن النظرة مفرطة التفاؤل بشأن مصادر الطاقة المتجددة قد أثرت على القرارات الرئيسية المتعلقة بمصادر الطاقة الأخرى، لاسيما الطاقة النووية، مما تسبب في إحالة بعض المحطات النووية الموجودة الي التقاعد في وقت مبكر، وايقاف الاستثمار في عديد من المشروعات النووية الجديدة، كما ساهم في منح الناس شعورا زائفا بعدم الحاجة إلى الطاقة النووية، وذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة.
أتفق مع النظير الكندي على أن العالم يجب ألا ينسى أن الطاقة المتجددة، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، هى طاقة متقطعة ومتأرجحة (لا تنتج الكهرباء إلا عندما تهب الرياح أو تشرق الشمس، ولا تنتجها في كل الأوقات بنفس القدر)، ولذا فهي يجب إقرانها بمصادر أخرى للطاقة لدعم الطلب، وهذه المصادر المكملة دائمًا ما تكون من أنواع الوقود الأحفوري. وفي ظل عدم وجود طاقة نووية كافية، تعمل الطاقة المتجددة على إطالة عمر المحطات القائمة التي يمكنها إنتاج الطاقة على مدار الساعة.
يرى جورمان أن المشكلة الأكثر الأهمية بأنها سوء الفهم من السياسيين والجماهير لمبادئ استخدام الطاقة النووية ، وكذلك نشر المغالطات والمفاهيم الخاطئة على نطاق واسع ، من بينها الادعاءات بأن الطاقة النووية باهظة الثمن وخطيرة ونتج كميات كبيرة من النفايات المشعة.
لكن الحقيقة الساطعة التي يجب أن تصل للجميع هي أنه عندما تفكر في دورة حياة توليد الطاقة الكهربية النووية بالكامل، فإن الطاقة النووية هي واحدة من أقل مصادر الطاقة تكلفة. ذلك لأن اليورانيوم رخيص ووفير، والمفاعلات النووية – رغم أنها مكلفة في مرحلة البناء – وتدوم لعدة عقود أطول من سائر أنواع المحطات الاخرى. كخبير بيئي ، أؤكد أن الذرة مصدر آمن للطاقة، فالوقود النووي المستخدم صغير الحجم، ويتم تخزينه تحت أعلي درجات الامان، ولا يشكل أي تهديد لصحة الإنسان أو البيئة.
وقد استطاعت روسيا في تحقيق تقدما كبيرا في كجالات استخدامات الطاقة النووية حيث بات من الواضح اليوم أن مصر قد اتخذت الخطوة الصحيحة باختيار إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة لديها. كما ان دول في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا ، جميعها غنية بالموارد المائية والنفطية وبالمناخ الدافئ الذي يعد مثالي لاستخدامات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ولكن جميع هذه الدول تستثمر في الطاقة النووية. وقد وضعت العديد من دول العالم ثقتها في شركة روساتوم إيمانا بسجلها الحافل الذي لا تشوبه شائبة وقدرتها علي تنفيذ عدد كبير من وحدات الطاقة النووية متصلة بالشبكة كما اختارت عشرات الدول تكنولوجيات المفاعل الخاصة بالشركة لـ 36 وحدة طاقة حول العالم.
يخفق الناس في إدراك أن الطاقة النووية هي التكنولوجيا الوحيدة المؤكدة التي استطاعت أن تقلل على نحو كبير جداً من انبعاثات الكربون في دول عظمى، مثل فرنسا والسويد. ويمكننا دمج مصادر الطاقة المتجددة وطاقة الفحم مع الطاقة النووية، والبدء في تحقيق مستهدفات الطاقة لمستقبل أقل جداً في انبعاثات الكربون. لكن الأمر يتطلب بشدة تغييرا في الذهنية السائدة، والاستثمار الجديد في الطاقة النووية، وإعادة اكتشاف الطاقة النووية كحل للتكنولوجيا النظيفة للحد من الكربون الناتج عن نُظُم الكهرباء التقليدية،
الحق أن العالم بحاجة ماسة إلى إطالة عمر المحطات النووية الموجودة بدلاً من إغلاقها قبل أوانها، وبحاجة إلى الاستثمار في التقنيات النووية الحديثة الجديدة، بما في ذلك المفاعلات الصغيرة، وبحاجة كذلك إلى استخدام الطاقة النووية إلى جانب تنمية مصادر الطاقة المتجددة، وهذا هو المزيج السليم للطاقة لأي دولة في العالم!
ولقد استطاع قطاع الكهرباء المصرى – رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها مصر في توفير الطاقة خلال الفترة السابقة – اتخاذ العديد من الإجراءات والمبادرات والسياسات الإصلاحية لإحداث تحولاً ملموساً فى مستقبل الطاقة من أجل تأمين إمدادات الطاقة الكهربائية واستدامتها، وذلك ما تأكد في توجهات قطاع الكهرباء عند الإشارة إلى مشروع المحطة النووية بالضبعة، الذي سيؤدى دورًا جوهريًا فى تنويع مزيج الطاقة فى مصر، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، كما يضعها على عتبة تكنولوجيا روسية متقدمة تختزل سنينًا طويلة على طريق التقدم العلمى والتكنولوجى، ويؤدى دوراً خطيراً في الوقت ذاته في التضافر مع محطات الفحم الكهربائية لإحراز انخفاض دراماتيكى في انبعاثات الغازات الدفيئة.
إن التغيرات العالمية التي من شأنها أن تؤدي إلى التحول فى منظومة الطاقة، التي سوف تتطلب تغييرا في شكل إنتاج واستهلاك الكهرباء، تعد من أهم التحديات التي تواجهها الدول كافة خاصة الدول الغنية بالنفط مع نضوب مصادر البترول والغاز. يضاف إلي ذلك الطموحات الكبيرة للحد من ظاهرة الغازات الدفيئة العالمية، وتفعيل الأهداف للأمم المتحدة للتنمية المستدامة. ويأتي على رأس هذه التحولات الانتقال من استخدام الشبكات التقليدية إلى الشبكات الذكية، والامتداد بالربط الكهربائي الإقليمى إلى الربط الكهربائى العالمى، ومن السيارات التقليدية إلى استخدام السيارات الكهربائية، ومن توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على النفط والغاز إلى الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، مدعومة وَمُسَاَنَدَة على نحو هائل بالمصادر النووية والفحم.
بعد الخبير الكندي ، أود أن أشير إلى أنه من المستحيل إيجاد الحلول الحقيقية والعملية عن طريق الاستسلام لحلم واهم متمثل في الاعتماد كليا على الطاقة المتجددة. ويتمثل الحل في استخدام مصادر الطاقة المتجددة المدعومة على نحو هائل بالطاقة النووية والفحم.